آداب السفر وأحكامه - 1
يستخير اللَّه سبحانه في الوقت، والراحلة، والرفيق، وجهة الطريق إن كثرت الطرق، ويستشير في ذلك أهل الخبرة والصلاح، وأما الحج والعمرة؛ فإنهما خير لا شك فيه، وصفة الاستخارة: أن يصلي ركعتين ثم يدعو بالوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
يجب على الحاج والمعتمر أن يقصد بحجه وعمرته وجه اللَّه تعالى، والتقرب إليه، وأن يحذر قصد حطام الدنيا أو المفاخرة أو حيازة الألقاب أو الرياء والسمعة؛ فإن ذلك سبب في بطلان العمل وعدم قبوله. قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) وفي الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).
على الحاج والمعتمر التَّفَقُّه في أحكام العمرة والحج، وأحكام السفر قبل أن يسافر؛ لئلا يترك واجبا أو يقع في محرم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد اللَّه به خيرًا يفقهه في الدين).
على الحاج أو المعتمر أن ينتخب المال الحلال لحجه وعمرته؛ لأن اللَّه طيِّبٌ لا يقبل إلا طيّبًا؛ ولأن المال الحرام سبب عدم إجابة الدعاء.
التوبة من جميع الذنوب والمعاصي، وإن كان عنده للناس مظالم ردّها وتحللهم منها، سواء كانت: عرضًا أو مالاً، أو غير ذلك.
يستحب للمسافر أن يكتب وصيته، وما له وما عليه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) ويُشهد عليها، ويقضي ما عليه من الديون، ويرد الودائع إلى أهلها أو يستأذنهم في بقائها.
يستحب للمسافر أن يجتهد في اختيار الرفيق الصالح، ويحرص أن يكون من طلبة العلم الشرعي؛ فإن هذا من أسباب توفيقه وعدم وقوعه في الأخطاء في سفره وفي حجه وعمرته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم (لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي).
يستحب للمسافر أن يودع أهله، وأقاربه، وجيرانه، وأصحابه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أراد سفرًا فليقل لمن يخلِّف: أستودعكم اللَّه الذي لا تضيع ودائعه)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يودع أصحابه إذا أراد أحدهم سفرًا فيقول: (أستودع اللَّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لمن طلب منه أن يوصيه من المسافرين: (زوَّدك اللَّه التقوى، وغفر ذنبك، ويسَّر لك الخير حيثُ ما كنتَ) وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد سفرًا فقال: يا رسول اللَّه أوصني، فقال: (أوصيك بتقوى اللَّه والتكبير على كل شرف)، فلما مضى قال: (اللَّهم ازوِ له الأرض، وهوِّن عليه السفر)
لا يصطحب معه الجرس والمزامير والكلب في السفر؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس).
إذا أراد السفر بإحدى زوجاته إن كان له أكثر من واحدة أقرع بينهن فأي زوجة وقعت عليها القرعة خرجت معه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه).
يستحب له أن يخرج للسفر يوم الخميس من أول النهار إن تيسر له ذلك؛ لفعله صلى الله عليه وسلم. قال كعب بن مالك رضي الله عنه: (لقلَّما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس).
يستحبُّ له أن يدعو بدعاء الخروج من المنزل عند السفر وغيره، فيقول عند خروجه: (بسم اللَّه، توكلت على اللَّه، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه، اللَّهم إني أعوذ بك أن أضِلَّ أو أُضَلَّ، أو أزلَّ أو أُزَلَّ، أو أظلِمَ أو أُظلَمَ، أو أجهلَ أو يُجهلَ عليَّ).
يستحبّ له أن يدعو بدعاء السفر، إذا ركب دابته، أو سيارته، أو الطائرة، أو غيرها من المركوبات فيقول: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ، اللَّهمّ إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللَّهمّ هوِّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللَّهمّ إني أعوذ بك من وعثاء[1] السفر، وكآبة المنظر[2]، وسوء المنقلب[3]: في المال، والأهل..) وعثاء السفر: هي شدته. الإفصاح عن معاني الصحاح (4/ 284). سوء الهيئة والانكسار من الحزن. الإفصاح عن معاني الصحاح (4/ 284). (المنقلب): هو الرجوع. الإفصاح عن معاني الصحاح (4/ 284).
يستحبّ له أن لا يسافر وحده بلا رفقة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده).
يؤمِّر المسافرون أحدَهم؛ ليكون أجمعَ لشملهم، وأدعى لاتفاقهم، وأقوى لتحصيل غرضهم، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّروا أحدهم).
أن يحرص على القيام بما أوجب الله عليه من الطاعات واجتناب المحرمات وأن يتخلق بالأخلاق الفاضلة، فيُعين من يحتاج إلى العون والمساعدة، ويبذل العلم لطالبه والمحتاج إليه، ويكون سخياً بماله، فيبذله في مصالح نفسه ومصالح إخوانه وحاجاتهم.
ينبغي أن يكون في ذلك كله طَلْقَ الوجه، طيب النفس، حريصاً على إدخال السرور على رفقته؛ ليكون أليفاً مألوفاً.
ينبغي أن يصبر على ما يحصل من جفاء رفقته ومخالفتهم لرأيه، ويداريهم بالتي هي أحسن، ليكون محترماً بينهم، مُعظّماً في نفوسهم.
يستحب إذا نزل المسافرون منزلاً أن ينضمّ بعضهم إلى بعض، فقد كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنما تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان)، فكانوا بعد ذلك ينضمُّ بعضُهم إلى بعض حتى لو بسط عليهم ثوب لوسعهم.
يستحبّ إذا نزل منزلاً في السفر أو غيره من المنازل أن يدعو بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: (أعوذ بكلمات اللَّه التامات من شر ما خلق)؛ فإنه إذا قال ذلك لم يضرَّه شيء حتى يرتحل من منزله ذلك.
يستحبّ له أن يكبّر على المرتفعات ويسبح إذا هبط المنخفضات والأودية، قال جابر رضي الله عنه: (كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا)، ولا يرفعوا أصواتهم بالتكبير، قال صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنه معكم، إنه سميع قريب).
يستحبّ له السير أثناء السفر في الليل وخاصة أوله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالدُّلجة؛ فإن الأرض تُطوَى بالليل).