المختصر في آداب زيارة المسجد النبوي وأحكامها - 1
فهذه رسالة مختصرة في آداب زيارة المسجد النبوي وأحكامها، حرصنا فيها على بيان غالب ما يحتاج إليه زائر المسجد النبوي.
تستحب زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لها وقت محدد، وليست من أعمال الحج، ولا يلزم الحجاج -رجالا أو نساء- زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا البقيع.
لا يجوز شَدُّ الرحال والسفر من أجل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن شَدَّ الرحال على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور، وإنما يكون للمساجد الثلاثة فقط، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى) رواه البخاري (1189) ومسلم (827) واللفظ له، فالبعيد عن المدينة ليس له شد الرحال بقصد زيارة القبر، ولكن يشرع له شد الرحال بقصد زيارة المسجد النبوي الشريف، فإذا وصله زار قبره صلى الله عليه وسلم وقبور أصحابه، فدخلت الزيارة لقبره تبعاً لزيارة مسجده صلى الله عليه وسلم.
لا يشرع للمرأة أن تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا قبر غيره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لعن زوَّارات القبور، ويكثرن من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد وغيره، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهي في أي مكان كانت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلُّوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام).
إذا دخل المسجد النبوي الشريف استحب له أن يُقدِّم رجله اليمنى عند دخوله ويقول: (اللَّهم افتح لي أبواب رحمتك) كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد.
وإذا لم يكن الوقت وقت نهي فله أن يصلي تطوعا ما شاء ركعتين ركعتين؛ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) رواه البخاري (1190) ومسلم (1394).
وينبغي أن يتحرى الصلاة في الروضة - وهي ما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم وحجرته - إن تيسر له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) رواه البخاري (1195) ومسلم (1390)، وإن لم يتيسر له صلى في أي جهة من المسجد، وهذا في غير صلاة الجماعة، أما في صلاة الجماعة فليحافظ على الصف الأول الذي يلي الإمام؛ لعموم الأدلة الواردة في ذلك.
وقف أمام قبره صلى الله عليه وسلم بأدب، ووقار، وخفض صوت، ثم يسلم عليه صلى الله عليه وسلم قائلاً: (السلام عليك يا رسول اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته)؛ وإن قال: (أشهد أنك رسول اللَّه حقّاً، وأنك قد بلّغت الرسالة، وأدّيت الأمانة، وجاهدت في اللَّه حق جهاده، ونصحت الأمة، فجزاك اللَّه عن أمتك أفضل ما جزى نبياً عن أمته) فلا بأس.
ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً أيضاً فيسلم على عمر بن الخطاب، وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلَّمَ على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لا يزيد غالباً على قوله: (السلام عليك يا رسول اللَّه، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه) ثم ينصرف.
ولا ينبغي إطالة الوقوف أو الدعاء عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه، فقد كرهه مالك، وقال: هو بدعة لم يفعلها السلف، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
وأما ما يفعله بعض الزوار من رفع الصوت عند قبره صلى الله عليه وسلم وطول القيام هناك فهو خلاف المشروع؛ قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ، إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) [الحجرات: 2 - 3] ولأن طول القيام عند قبره صلى الله عليه وسلم والإكثار من تكرار السلام يفضي إلى الزحام وكثرة الضجيج وارتفاع الأصوات عند قبره صلى الله عليه وسلم وذلك يخالف ما شرعه الله للمسلمين في هذه الآيات المحكمات، وهو صلى الله عليه وسلم محترم حيا وميتا، فلا ينبغي للمؤمن أن يفعل عند قبره ما يخالف الأدب الشرعي.
وهكذا ما يفعله بعض الزوار وغيرهم من تحري الدعاء عند قبره مستقبلا للقبر رافعا يديه يدعو فهذا كله خلاف ما عليه السلف الصالح من أصحاب رسول الله وأتباعهم بإحسان بل هو من البدع المحدثات.
وهكذا ما يفعله بعض الزوار عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم من وضع يمينه على شماله فوق صدره أو تحته كهيئة المصلي فهذه الهيئة لا تجوز عند السلام عليه صلى الله عليه وسلم؛ لأنها هيئة ذل وخضوع وعبادة لا تصلح إلا لله كما حكى ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح عن العلماء.
ولا يجوز لأحد أن يتقرب إلى اللَّه بمسح الحجرة، أو الطواف بها، ولا يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء حاجته، أو شفاء مريضه، ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله لا يطلب إلا من اللَّه وحده.
يستحب لزائر المدينة أثناء وجوده بها أن يزور مسجد قباء ويصلِّي فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه راكباً وماشياً ويصلي فيه ركعتين، وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاةً كان له كأجر عمرة).
ويسن للرجال زيارة قبور البقيع - وهي مقبرة المدينة - وقبور الشهداء، وقبر حمزة رضي الله عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورهم ويدعو لهم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزورها فإنها تذكركم الآخرة) ويقول إذا زارهم كما يقول إذا زار سائر القبور: (السلام عليكم أهل الديار، من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء اللَّه بكم لاحقون ويرحم اللَّه المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل اللَّه لنا ولكم العافية).
ولا شك أن المقصود بزيارة القبور هو تذكر الآخرة والإحسان إلى الموتى بالدعاء لهم، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الزيارة الشرعية.
وأما زيارتهم لقصد الدعاء عند قبورهم، أو سؤال اللَّه بهم، أو بجاههم، ونحو ذلك فهذه زيارة بدعية منكرة لم يشرعها اللَّه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا فعلها السلف الصالح، وأما سؤالهم قضاء الحاجات، أو شفاء المرضى، ونحو ذلك فهو من الشرك الأكبر.
فهذه الأحاديث وأشباهها لم يثبت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ العقيلي: لا يصح في هذا الباب شيء. وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص: - بعد ما ذكر أكثر هذه الروايات - طرق هذا الحديث كلها ضعيفة.
التمسح بالجدران وقضبان الحديد عند زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وربط الخيوط ونحوها في الشبابيك تبركا.
الذهاب إلى المغارات في جبل أحد ومثلها غار حراء وغار ثور بمكة وربط الخرق عندها والدعاء بأدعية لم يأذن بها الله وتحمل المشقة في ذلك.
زيارة بعض الأماكن التي يزعمون أنها من آثار الرسول صلى الله عليه وسلم كمبرك الناقة وبئر الخاتم أو بئر عثمان وأخذ تراب من هذه الأماكن للبركة.